رئيس التحرير:
♟️ التحليلات الاستراتيجية – ما بعد النقلة الأولى
هنا لا نكتفي بفهم الحدث… بل نتعقّب هندسة صانعيه.
في هذا الباب، نكتب التحليل كأننا نقرأ النوايا …لا نبني على الشعارات، بل على توزيع الأساطيل، العقود الخفية، التوقيت، والمكان.
"التحليلات الاستراتيجية" هي بوابة العقل المُدبّر، وفيها لا نروي ما حدث… بل نتقصّد ما قد يحدث، ولماذا، وكيف، ومن سيفوز، ومن سيدفع الثمن.
هنا، كل سطر يُكتب ليكون خارطة، وكل فكرة… إشارة خطر أو فرصة سانحة.
تدير هذه الصفحة، مديرة تحرير المنصة، الباحثة في العلاقات الدولية مارية أيمن
المغازلة الاقتصادية الخجولة بين إيران - وامريكا
بهاء جواد الحياني - كاتب رأي
الأربعاء 14 أيار – مايو 2025
في نيسان/أبريل 2025 نشرت تقارير في وسائل الإعلام أن إيران طرحت ضمنياً فكرة جذب استثمارات أمريكية كبيرة (يُذكر مبلغ ترليون دولار) إلى اقتصادها. جاء هذا الطرح قبيل جولة المباحثات غير مباشرة بين طهران وواشنطن حول الملف النووي في مسقط. وبحسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (IRNA)، أشار رئيس البرلمان الإيراني المكلف رئاسة الجمهورية مسعود بزشكيان في 9 أبريل 2025 أثناء مؤتمر «يوم التكنولوجيا النووية» في طهران إلى أن قائد الثورة (خامنئي) لا يمانع من دخول المستثمرين الأمريكيين إلى البلاد» ودعاهم صراحةً إلى الاستثمار في إيران. من ناحية أخرى، نقلت الجزيرة نت في 15 أبريل عن مصادر إيرانية مطلعة» أن طهران كانت قد عرضت سابقاً على الجانب الأمريكي استثمار نحو 1000 مليار دولار في إيران، وأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أبدى تجاوباً أولياً مع المقترح. بعبارة أخرى، تركزت المحادثات والأفكار المعلنة أو المُسرّبة حول تلك الفترة (نيسان 2025) في طهران وعلى هامش مفاوضات الملف النووي مع الولايات المتحدة.
الشخصيات والجهات الإيرانية الداعية إلى الفكرة الاستثمار الأمريكي في إيران، أبرز من طرح هذا التوجه رسميّاً كان رئيس البرلمان الإيراني بزشكيان(يُطلق عليه في بعض المصادر لقب الرئيس الإيراني نظراً لتوليه رئاسة البرلمان بعد وفاة الرئيس السابق). وقد صرح صراحةً أن المرشد خامنئي «لا يعارض» وهي الموافقة المبدئية ضمنية لدخول المستثمرين الأمريكيين وأن «المستثمرون مرحب بهم للاستثمار». إلى جانبه، كان وزير الخارجية عباس عراقجي من داعمي الفكرة، إذ وصف في افتتاحية رأيه في واشنطن بوست الاقتصاد الإيراني بأنه «فرصة ترليونية الدولارات» أمام الشركات الأمريكية وهذا العرض ضمنياً الى الحكومة الامريكية ويجوز وصفة رشوة غير رسمية. كما نقلت وسائل إعلام إيرانية عن علي لاريجاني (كبير مستشاري المرشد) قوله إن إيران ترغب في التركيز على المصالح الاقتصادية المشتركة مع أمريكا بدلاً من التصعيد العسكري. بالإضافة إلى ذلك، تحدث نواب ومثقفون إيرانيون عن دعم مقترح استثمار أمريكي، وإلى ذلك يُعزى تغريدة على منصة X لمجلس الإعلام الحكومي الإيراني فياض زاهد سردها صحف محلية بالإشارة إلى تقديم «مقترح شامل (ألف مليار دولار)» بأذن من خامنئي. باختصار، كان من يمثّل الطرح الرسمي طيف من كبار مسؤولي النظام الإيراني: رئيس البرلمان/الرئيس التنفيذي المكلف، ووزير الخارجية، ومستشار المقرب للمرشد أضافة الى الطبقة النخبة الإيرانية لتنظير والترويج للفكرة وتخفيف الصدمة الشعبية الايرانية.
القطاعات المشمولة في الفكرة
أشار المسؤولون الإيرانيون إلى أن الاستثمارات الأمريكية المحتملة يمكن أن تمتد إلى قطاعات حيوية ومتنوعة في اقتصاد إيران. فقد شدد عباس عراقجي على قطاع الطاقة النووية، معلناً أن إيران تخطط لبناء ما لا يقلّ عن 19 مفاعلاً نووياً جديداً قريباً، مما يعني عقوداً بمليارات الدولارات يمكن أن تُفتح للشركات الأمريكية حال رفع العقوبات. ونقلت تقارير أخرى عن أخصائيين إيرانيين أن هناك حاجة ملحّة لتمويل مشاريع النفط والغاز والمصفّاة والبنية التحتية للطاقة، بما في ذلك تحديث قطاع الكهرباء وبناء محطات طاقة جديدة (شمسية وجديدة). ويشمل المقترح أيضاً استثمارات في التكنولوجيا ونقل التقنية (مثل استيراد تكنولوجيا السيارات الكهربائية والبطاريات)، وتطوير مجالات التصنيع والطيران المدني. مثلا، تعود ذكرى الاتفاق النووي 2015 بفكرة شراء طائرات بوينغ أمريكية (تعاقد على 80 طائرة)؛ ويُفترض أن أي اتفاق جديد قد يشمل تحديث أسطول الطيران أو توسيع البنية التحتية الرقمية والصناعية. باختصار، قطاعات الطاقة (نووي وكهرباء ونفط وغاز)، والنقل (الجوي والبحري والبري)، وقطاعات التكنولوجيا المتقدمة كانت من بين المجالات التي نوقشت بوصفها «فرصة استثمارية» أميركية محتملة.
لم يُعلن عن أي صفقة رسمية موقعة أو مشروعات محددة تم إطلاقها. إلا أن تقارير إيرانية تشير إلى مقترحات واسعة النطاق قُدّمت خلال الأيام الأخيرة. فمنها – على سبيل المثال – العرض الذي نقلته الجزيرة نت عن اجتماع غير معلن في الخارج قبل شهر تقريباً من أبريل 2025، حيث سُرّب أن ممثلين من إيران قد اقترحوا على وسطاء أمريكيين السماح للقطاع الخاص الأمريكي باستثمار 1000 مليار دولار في مشاريع إيرانية على مدى 20 سنة مقابل الحصول على كميات محددة من النفط والغاز. كذلك طرح عباس عراقجي نفس الفكرة أكبرَ في كتاب مفتوح، حيث أشار إلى «الفرصة التريليونية» التي يوفرها الاقتصاد الإيراني للشركات الأمريكية إن أتيحت لها إمكانية الاستثمار. كما نقلت وسائل إعلام مقربة عن نواب إيرانيين (مثل أحمد بخشيش) اقتراحاً بطلب ضمانات أمريكية لدعم الاستثمارات في قطاع الكهرباء الإيراني. بيد أن كل هذه المبادرات تبقى في طور الإعلان أو المقترح؛ فلم تعلن طهران حتى الآن عن أية عقود محددة مع شركات أمريكية، كما لم يصدر في واشنطن أي إعلانات ملزمة بهذا الشأن. وقد لفت بعض المحللين والمراقبين إلى أن هذه الحملات الدعائية تشبه وعوداً إيرانية سابقة (مثل وعود الصين باستثمار 400 مليار دولار) لم تترجم فعلاً إلى اتفاقات ملموسة.
رد الفعل الأمريكي
لم يصدر عن الإدارة الأمريكية أي إعلان رسمي برد فعل على مقترحات طهران حول الاستثمار. ومع ذلك، نشرت إيران – ووسائل إعلامها – تقارير تفيد بأن البيت الأبيض تلقّى الاقتراح بإيجابية. فقد نقلت الجزيرة عن مصدر إيراني أن الرئيس ترامب «تعامل بإيجابية» مع العرض وأبلغ طهران موافقته عبر وسيط. ولم تنفِ واشنطن تلك الأنباء رسمياً، لكن مسؤوليها شددوا في تصريحات عامة على أن رفع العقوبات هو المطلب الأول لعقد أي صفقة، وأن طهران يجب أن تلتزم بتقييد برنامجها النووي قبل أي استثمارات أجنبية. باختصار، لم تقدم واشنطن أي رد علني على فكرة الاستثمارات الأمريكية في إيران، فيما ظل ما نقلته الأطراف الإيرانية حول الترحيب به مصدر تفسير لا سيما في الصحافة الحكومية. يعتبر معظم المحللين هذه المقترحات صعبة التنفيذ عملاً بقوانين العقوبات الأمريكية. فالقانون الأمريكي يحظر على الشركات والشخصيات الأمريكية الاستثمار أو الانخراط في صفقات مع إيران ما لم تُرفع العقوبات بشكل كامل. ولعل ما قالته مسؤولة اقتصادية إيرانية بارزة خير تعبير عن المشهد، إذ وصفت الحديث عن «استثمار ترليوني من الولايات المتحدة» بأنه «حلم وخيال». وبالفعل، ثمة خبراء إيرانيون أشاروا إلى أن استثمارات ضخمة لم تتحقق سابقاً حتى عندما أُلغي جزء من العقوبات عام 2016، وأن اقتصاد البلاد يعاني من بنية تحتية هشة وثغرات تشريعية تعوق جذب المستثمرين. كما أشار تقرير صحفي إلى أن الاتفاق النووي السابق العام 2015 قد أتاح ترخيص شراء طائرات أمريكية، لكن الاتفاق نفسه «في الواقع منع الشركات الأمريكية من الدخول إلى البلاد». لذا، يرى كثيرون أن أي استثمارات جديدة من أمريكا مشروطة برفع كامل للعقوبات ومعالجة الثغرات القانونية (مثل قانون 25 الذي يوقف أي شركة عالمية تتجاوز 25% تعاملات مع إيران.
لفهم الموقف او التكتيك الأمريكي لتعامل مع العرض الإيراني لابد للعروج والاشارة الى توصيات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيير المناخ (IPCC)،وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة(UNEP)،والدول الصناعية الكبرى(G7) والتي توصي الى تعجيل التحول الاقتصادي نحو تنمية منخفضة الكربون ورفع طاقة الطاقة النظيفة، مع مطالبة الدول المتقدمة ذات المسؤولية التاريخية بخفض انبعاثاتها بشكل طموح وتقديم دعم مالي وتقني للدول النامية كما طالب UNEP بتسريع تنفيذ المساهمات المحددة وطنياً (NDCs) لحصر الارتفاع في درجة الحرارة ضمن 1.5°C ، أكدت تقارير التقييم السادس ضرورة خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بشكل عميق وسريع ومستدام عبر جميع القطاعات، بحوالي النصف بحلول 2030 والوصول إلى صافي انبعاثات صفرية من ثاني أكسيد الكربون منتصف القرن. وأشارت إلى أن التحول نحو مصادر طاقة متجددة ونشر التقنيات النظيفة يجب أن يُعمم ويُعزز عالمياً. كما شددت على أهمية العدالة المناخية والتوزيع العادل للفوائد والأعباء بين البلدان، ودعم الدول الأشد ضعفاً في هذا الانتقال. التوصيات في تقارير الـ IPCC ليست ملزمة قانونياً، ولكنها توجهات علمية تُستخدم لإرشاد السياسات. أكّد الوزراء الدول الصناعية (G7) في اجتماع وزراء المناخ والطاقة والبيئة في أبريل 2023 في اليابان) التزام دولهم بتحقيق الاقتصاد خالٍ من الكربون بحلول منتصف القرن على أبعد تقدير، من خلال «تسريع التحول إلى اقتصاد طاقة نظيفة» والوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050).
وفق المعطيات أعلاه قد تتبلور فكرة الاستثمار الأمريكي لطاقة النظيفة وبضمنها الطاقة النووية في انتاج الطافة الكهربائية في العالم خصوصاً بدئت ملامح هذه الفكرة بالاتفاق المبدئي بين المملكة العربية السعودية وامريكا بنشاء برنامج النووي السعودي للأغراض السلمية وهذا قد ينطبق مع إيران وهنا يحقق للأمريكان عدة اهداف إستراتيجية مهمة منها
الاستثمار الاقتصادي الاستراتيجي وهو مطابق لطموح دونالد ترامب والسياسة الخارجية الامريكية بشكل عام.
الالتزام الى توصيات الهيئات الدولية المعنية بتغيير المناخ والاتفاقات الدولية .
إعادة جدولة التحالفات الدولية أي سحب الحلفاء من المنافس الاقتصادي الطامح التنين الصيني واحكام الطوق عليها.
الاقتراب الى خطوات تنفيذ مشروعها في المنطقة ومنها شرق أوسط جديد بمنهج ومتطلبات تتوافق مع طموحات السياسة الخارجية الامريكية بشكل عام.
لذا قد يتضح للمتابع خطوات وأسلوب الذي يتأرجح بين التشدد والارتخاء في تعامل الأمريكي مع إيران والخطوات الاستباقية التي اتخذتها في هذا الملف، منها (حزب الله في لبنان، الحوثي في اليمن، ومشروع قرار تحرير العراق من إيران، وتغيير النظام في سوريا) كلها أوراق ضغط لتبادر إيران بطرح العرض وفكرة الاستثمار الأمريكي للبرنامج النووي الإيراني وفق الشروط الامريكية، وهنا قد تتجرع إيران الكاس الثاني من السم.
نحن ننتظر نتائج جولات المباحثات بين الطرفين خصوصاً بعد زيارة الرئيس الأمريكي لسعودية وعقد الاجتماعات مع رؤساء الدول المنطقة وما ستنتج من قرارات وإجراءات تخص غزة والمنطقة والملف الإيراني، السؤال الذي يطرح هل النظام الإيراني سيخضع لضغوط الامريكية ويخرج بأقل الخسائر ام لديه حسابات داخلية وخارجية اخرى ام هو متيقن من النتيجة النهائية.
"المغازلة الاقتصادية الخجولة بين إيران - وأمريكا"هذا العنوان يُشير إلى تحليل يتناول مؤشرات لتقارب اقتصادي محدود أو "غير معلن" بين إيران والولايات المتحدة، رغم التوتر السياسي المستمر بين البلدين.:
رفع جزئي أو مؤقت لبعض العقوبات مقابل خطوات إيرانية في الملف النووي أو الإقليمي.
تفاهمات غير مباشرة عبر وسطاء مثل سلطنة عمان أو قطر بشأن تبادل أصول مالية أو بيع نفط.
تبادل تجاري محدود أو استثناءات إنسانية مثل تجارة الأدوية والمواد الغذائية.
تلميحات سياسية أو اقتصادية من مسؤولين أمريكيين أو إيرانيين تظهر استعدادًا للتفاوض.
ما الذي يحصل إذا هيمنت الصين على تقنيات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي؟
الأربعاء 7 أيار – مايو 2025
فريق الرصد والتحليل
إذا هيمنت الصين على تقنيات الجيل الخامس (5G) والذكاء الاصطناعي (AI)، فإن العالم قد يشهد تحولًا جذريًا في موازين القوى على المستويات الاقتصادية، العسكرية، والأمنية. هذا التحول قد يُعيد رسم الخريطة الجيوسياسية لعقود قادمة، ويُحدث تغييرات عميقة في كيفية إدارة الدول لشؤونها الداخلية وعلاقاتها الخارجية.
التداعيات المحتملة لهيمنة الصين على تقنيات 5G والذكاء الاصطناعي:
1. السيطرة على البيانات العالمية
التفوق في التجسس: تُمكن تقنيات الجيل الخامس من نقل البيانات بسرعة فائقة وبكميات هائلة، مما يجعلها أداة فعّالة للاستخبارات السيبرانية. إذا سيطرت الصين على شبكات 5G العالمية، فقد تتمكن من مراقبة حركة البيانات العالمية، بما في ذلك المكالمات الهاتفية، الرسائل، والمعاملات المالية.
احتكار البيانات: البيانات هي نفط القرن الحادي والعشرين، وإذا تمكنت الصين من جمع وتحليل كميات ضخمة من بيانات الأفراد والشركات والدول، فسوف تتمتع بميزة تنافسية هائلة في الابتكار والسيطرة الاقتصادية.
2. التفوق العسكري والتكنولوجي
حروب الجيل القادم: الذكاء الاصطناعي سيشكل قلب التكنولوجيا العسكرية في العقود القادمة، بما في ذلك الأسلحة الذاتية التحكم، والطائرات المسيرة، والسفن الحربية الذكية. الهيمنة على هذا القطاع تعني القدرة على شن حروب سريعة، دقيقة، ومنخفضة التكلفة.
أنظمة الدفاع السيبراني: السيطرة على 5G تعني السيطرة على أنظمة الاتصال العسكرية، وأنظمة التحكم في الطائرات بدون طيار، والدبابات الذكية، وأنظمة الصواريخ، مما يُمكّن الصين من الهيمنة في الحروب السيبرانية.
3. التفوق الاقتصادي والتجاري
احتكار الاقتصاد الرقمي: إذا سيطرت الصين على 5G وAI، ستتمكن من تحديد معايير الاقتصاد الرقمي العالمي، مما يعني أن الدول التي تتبنى تقنياتها ستعتمد عليها بشكل متزايد، مما يمنح بكين نفوذًا اقتصاديًا هائلًا.
تعزيز مبادرة الحزام والطريق: يمكن للصين استخدام هذه التقنيات لتعزيز مشاريعها في البنية التحتية، والتمويل، والتجارة عبر مبادرة الحزام والطريق (BRI)، وربط الأسواق الناشئة بأنظمتها التكنولوجية.
4. التأثير على النظام الدولي والسيادة الرقمية
نظام عالمي جديد: إذا نجحت الصين في فرض تقنياتها كمعايير دولية، فستصبح قادرة على تشكيل نظام عالمي جديد يُركز على مصالحها، ويُضعف الهيمنة الأمريكية الغربية.
السيطرة على البنية التحتية الرقمية: الشركات الصينية مثل هواوي (Huawei) وزد تي إي (ZTE) أصبحت بالفعل لاعبين رئيسيين في بناء شبكات 5G في العديد من الدول. السيطرة على هذه البنية التحتية تمنح الصين نفوذًا هائلًا على اقتصادات هذه الدول.
5. التأثير على الحريات وحقوق الإنسان
المراقبة والسيطرة: تقنيات الذكاء الاصطناعي تُستخدم في الصين لمراقبة السكان عبر الكاميرات الذكية، والتعرف على الوجوه، وأنظمة الائتمان الاجتماعي. إذا نجحت في تصدير هذه الأنظمة، قد تنتشر ثقافة "الدولة الرقيب" في أماكن أخرى من العالم.
قمع المعارضة: الحكومات السلطوية قد تستخدم هذه التقنيات لقمع المعارضة وتقييد حرية التعبير، مما يُهدد الديمقراطيات الناشئة.
6. التأثير على التحالفات الدولية
تقويض تحالفات الغرب: السيطرة الصينية على التكنولوجيا قد تُضعف تحالفات مثل "كواد" و**"الناتو"**، وتُحدث شروخًا في العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، الذين قد يجدون أنفسهم مضطرين للاعتماد على الصين اقتصاديًا وتقنيًا.
تعزيز التحالفات المناهضة للغرب: يمكن للصين استغلال تفوقها التكنولوجي لتعزيز علاقاتها مع دول مثل روسيا، باكستان، وإيران، مما يُعيد تشكيل الخريطة الجيوسياسية.
الخاتمة: هل تتكرر تجربة القرن التاسع عشر؟
إذا استمرت الصين في توسيع نفوذها التكنولوجي، فقد نجد أنفسنا أمام عالم أحادي القطب من نوع جديد، حيث تُحدد بكين معايير التكنولوجيا العالمية، وتفرض قواعد جديدة للسياسة الدولية، تمامًا كما فعلت بريطانيا العظمى في القرن التاسع عشر مع الثورة الصناعية.
د. أيمن خالد - رئيس الحرير
2 أيار/مايو 2025
حين تُقصف غزة، لا يكون الهدف هو غزة فقط. يكون الهدف هو اختبار مدى جاهزية العالم لقبول الإذلال، ومدى استعداده لتجاوز المبادئ تحت ضغط التجويع، ومدى قابلية الشعوب لأن تُباد أمام شاشاتها دون أن تنتفض. لذلك، فإن ما يحدث في غزة اليوم ليس فصلًا محليًا من النزاع، بل بروفة إمبراطورية على "ما سيأتي" في النظام الدولي، حين تفتح الولايات المتحدة ملف الترتيب الكوكبي الأخير، وتبدأ في تثبيت حدود السيطرة الجديدة.
ليست غزة مجرد "ساحة اختبار"، بل أول عقدة تُفتح في هذا الترتيب، لأنها الأكثر حساسية، والأكثر دموية، والأكثر ارتباطًا بالرمزية التي تسكن في الضمير العالمي. حين تسقط غزة في الصمت، يسقط بعدها كل شيء: العواصم، المؤسسات، المواثيق، والشرائع. ولهذا السبب، فإن واشنطن لا تتراجع، ولا تكتفي بدور الوسيط، بل تصر على أن تكون راعية الإبادة، لا لأنها تكره الفلسطينيين فقط، بل لأنها تريد أن تُعيد تعليم العالم درسًا بسيطًا: أن ما من شيء أقوى من الإرادة الأمريكية إذا اقترنت بالقوة، وأن من يتخيل أن القانون الدولي يحكم العلاقات، عليه أن يراجع موقعه بين الأمم.
المخطط الأمريكي لما بعد غزة لا يقف عند حدود الشرق الأوسط. فالمعركة الحقيقية تبدأ هناك، لكنها لا تنتهي إلا حين تعيد واشنطن صياغة المشهد العالمي، بتوازنات جديدة، وأعداء جدد، وتحالفات هجينة. سياسياً، تريد الإدارة الأمريكية الحالية أن تنهي مرحلة التعدد القطبي غير المكتمل، وتعيد ترميم النظام الدولي بيد واحدة فقط. ولأجل ذلك، فهي تختبر في غزة قدرة "العالم الإسلامي" على البلع، وقدرة أوروبا على النفاق، وقدرة الصين على التردد، وقدرة روسيا على الانكماش، ثم تبدأ من هناك في تحريك قطع النظام القديم لإعادة توجيهها كما تشاء.
اقتصادياً، فإن غزة تمثل صورة رمزية لما ينتظر الدول المستضعفة: التجويع كأداة ضبط، والعقوبات كقانون، وتسييل الأسواق الهشة من أجل مراكز القوة. الولايات المتحدة تدفع الآن نحو موجة تقشف عالمي، وفرض مسارات تجارية مرهونة بالدولار، وتجريد المنظمات الدولية من دورها كضامن، لتصبح مجرد ملحق تنفيذي لرغبات الشركات السيادية الكبرى. إنها تحوّل الاقتصاد إلى سلاح إبادة ناعم، كما حوّلت الغذاء إلى أداة سيطرة في غزة. وما هو قادم أبعد من الغلاء، وأخطر من التضخم: إنه التجويع الاستراتيجي كأداة طاعة شاملة.
عسكريًا، تعود أمريكا إلى المسرح كقوة لا تنافس، ولا تحاور، بل تُملي. فبينما تنكفئ روسيا داخل حدودها الجريحة، وتراوغ الصين عبر الضباب البحري، تتقدم واشنطن بآلة عسكرية مستعادة من نمط "الحروب ما قبل القانونية"، حيث لا حاجة للتبرير، بل فقط للمبرر العملي: حماية المصالح، أو ردع الإرهاب، أو دعم الحلفاء. من غزة إلى البحر الأحمر، ومن تايوان إلى الساحل الإفريقي، تتحرك البوارج الأمريكية كأختام ملكية فوق الماء، توقّع على كل شبر يُعاد ترسيمه باسم السيادة الأمريكية.
لكن من يحمل هذه الأختام؟ من هو حامل العهد الجديد في مسيرة الهيمنة؟ لن تكون الأمم المتحدة، ولا الناتو بشكله التقليدي، ولا حتى وزارة الخارجية الأمريكية بصيغتها القديمة. إن الذي يحمل الأختام اليوم هو "التحالف الأمني – الاقتصادي العابر للقارات"، بقيادة البنتاغون وتمويل شركات الذكاء الاصطناعي والطاقة والتكنولوجيا السيادية. هؤلاء هم "الملكيون الجدد"، الذين يديرون العالم لا من خلال السياسة فقط، بل من خلال التحكم بالوصول: إلى البيانات، إلى الغذاء، إلى السوق، إلى القرار.
ما أخضع العالم بهذا الشكل المهين لم يكن القنابل وحدها، بل فكرة أن لا بديل عن واشنطن. لقد سقطت البدائل جميعًا في امتحان غزة. صمتت أوروبا، تلك التي كانت تتغنى بحقوق الإنسان. ترددت الصين، التي لم تحسم خيارها بين السوق والمبدأ. اختنقت روسيا، التي ضُربت في عمقها بالحصار والنزيف الأوكراني. وحدها واشنطن خرجت لتقول: أنا الإمبراطورية التي عادت، ومَن لا يعجبه الأمر، فليُعد تشكيل العالم إن استطاع.
لهذا، لا يجب أن نقرأ غزة كقضية فلسطينية فقط، بل كملف تعليمي دولي. من يقف مع غزة، يقف ضد الانحراف الكوني في ترتيب القيم. ومن يصمت، يكون قد منح الإمبراطورية حقها في توقيع العقود وحدها. ومع ذلك، فإن هذه اللحظة ليست قدرًا، بل إنذارًا. لأن الإمبراطوريات حين تتجبر أكثر مما ينبغي، تفتح باب نهايتها بأيديها.
المرحلة المقبلة لن تكون متعددة الأطراف. ستكون مرحلة اصطدام حاد بين إرادة أمريكية بلا كوابح، وعالم مرعوب من المجهول. فمن يملك الشجاعة لينقض الختم؟ ومن سيتجرأ على انتزاعه من يد الملك؟
لماذا نكتب في الاستراتيجيات وماذا لو فطن الناس لأهميتها؟
فريق البحث والتحليل
ليست الكتابة في الاستراتيجيات ترفًا فكريًا ولا عرضًا نظريًا لعقول تحب التعقيد؛ بل هي في حقيقتها فعل مقاومة واعية ضد جهلٍ منهجي تفرضه أنظمة القوة العالمية على المجتمعات. فالاستراتيجية هي العلم الذي يكشف كيف تُدار الأمم، كيف تُشعل الحروب، كيف تُرسم الخرائط، وكيف يُعاد تشكيل المستقبل دون أن يشعر الناس.
نحن نكتب في الاستراتيجيات لأننا نؤمن أن الفهم العميق لما يجري في العالم ليس ترفًا للنخبة، بل حق أصيل لكل إنسان يريد أن يكون جزءًا من صناعة مصيره لا ضحية له. إن الذي يتقن قراءة الاستراتيجيات يصبح قادرًا على تفسير الغموض من حوله، وقادرًا على حماية نفسه ومجتمعه من مشاريع الاستغلال والإضعاف.
من يحرص على فهم الاستراتيجيات؟
إنهم الذين يعرفون أن القوة لا تُمارس فقط بالدبابات والسلاح، بل تُمارس أيضًا بالوعي، بالمعرفة، بالفهم المسبق. أصحاب الفكر الحر، صناع القرار النظيف، المدافعون الحقيقيون عن مصالح شعوبهم، هم أولئك الذين يحرصون على أن تكون الاستراتيجية علمًا متداولًا لا حكرًا على مراكز النفوذ.
ومن الذي يريد للناس أن لا يفهموا أسرار الاستراتيجيات؟
إنها القوى التي تبني إمبراطورياتها على جهل الآخرين، التي تدير العالم بمنطق إخفاء النوايا، وبيع الأوهام عبر الإعلام والاستهلاك والترويض الذهني. هذه القوى تعلم أن الشعوب التي تفهم كيف تُدار الاستراتيجيات تصبح شعوبًا حرة مستعصية على السيطرة.
ماذا لو فطن الناس لأهمية الاستراتيجيات؟
سيتغير شكل العالم جذريًا.
ستتبدد غشاوة العجز والخضوع.
سيدرك الناس أن الحرب قد تكون مشروعًا اقتصاديًا قبل أن تكون قتالًا.
وأن السلم قد يكون صفقة تفاوض أكثر مما هو مصافحة محبة.
وأن الفقر قد يكون سلاحًا متعمدًا، والهجرة قد تكون هندسة تغيير سكاني مخطط.
عندما يفهم الناس الاستراتيجية، يفهمون أن الدولة ليست فقط حكومة وبرلمانًا، بل شبكة مصالح معقدة تحدد مصيرهم أكثر مما تحدده أصواتهم الانتخابية.
عندما يفهمون الاستراتيجية، يعرفون أن كل قرار صغير في حياتهم اليومية قد يكون جزءًا من لوحة كبرى، أكبر من حدود أحيائهم ومدنهم.
لهذا نكتب في الاستراتيجيات:
نكتب لأننا نؤمن أن الحرية الحقيقية تبدأ من الفهم الحقيقي،
ونكتب لأننا نؤمن أن العالم بحاجة ماسة إلى عقول واعية، قادرة على مقاومة طغيان الجهل المغلف بالبريق الخادع.
في عالم يتغير كل لحظة،
لن يكون لك مكان آمن، ولا مستقبل مشرق،
إلا إذا أمسكت أنت بخيوط اللعبة، وفهمت قواعدها الخفية.
لهذا كانت منصتنا:
"التحليل الإخباري – نافذة خاصة"،
حلمًا علميًا ينبض من قلب الحرية إلى ضمير الإنسانية،
ويقول لكل إنسان:
"تعلم أن تفهم العالم... قبل أن يصوغك العالم كما يشاء."
هناك المزيد من التحليلات الاستراتيجية المتعلقة بالنظام العالمي والتحالفات والأمن الدولي.
غزة في عين العاصفة: الإستراتيجية الأمريكية لتفكيك النظام العالمي من بوابة الدم الفلسطيني
د. أيمن خالد - رئيس التحرير
01/5/2025
بينما تتناثر أشلاء الأطفال في غزة وتُسحق المدن تحت نيران الاحتلال الإسرائيلي، تبدو الصورة في ظاهرها مجرد تصعيد جديد في صراع قديم. لكن خلف الركام، تتشكل بنية جديدة للنظام العالمي، قوامها أن غزة ليست فقط "قضية فلسطين"، بل "مفصل تغيير" في الاستراتيجية الأمريكية لإعادة تشكيل العالم بقيادتها وحدها. ما يجري ليس فقط حربًا ميدانية بل خريطة كونية تُرسَم بالحبر الأحمر، والعين الأمريكية ترى فيها أكثر من مجرد معركة عسكرية: إنها لحظة التحول الجيوسياسي الكبرى التي تمهد لمرحلة جديدة من السيطرة.
ما كان يبدو طوال السنوات الأخيرة من بوادر تراجع أمريكي، ومن صعود تدريجي لمحاور دولية منافسة – كالصين، وروسيا، والمحور الإيراني – يتحوّل اليوم إلى ساحة تصفية حسابات كونية تُدار بدقة شديدة عبر "النقطة الرخوة" في النظام العالمي: غزة. والاختيار لم يكن عبثيًا. فالولايات المتحدة تعرف أن لا مكان في العالم أكثر اشتباكًا بالعواطف والمواقف والمصالح من هذه البقعة الصغيرة. لذلك فإن إطلاق يد إسرائيل بهذه الوحشية، بل وتوفير التغطية السياسية والعسكرية والدبلوماسية لها، ليس مجرد دعم لحليف قديم، بل جزء من خطة أوسع تهدف إلى إعادة ترتيب النظام الدولي عبر إحداث اختناق متعمَّد في مفاصل الشرعية الإنسانية، والتمهيد لما يمكن وصفه بـ"الانقلاب الأمريكي على النظام الذي أقرته أمريكا نفسها بعد الحرب العالمية الثانية".
لقد أدركت الولايات المتحدة أن الزمن لم يعد يحتمل إدارة العالم بنفس أدوات الهيمنة القديمة. فالمؤسسات الدولية التي ساهمت واشنطن في بنائها أصبحت ثقيلة وبطيئة، وأحيانًا معرقلة لمصالحها. القوى الصاعدة مثل الصين تحاول تطويع هذه المؤسسات لتخدم طموحاتها. أما روسيا، فهي تلعب على هامش التوازنات المتآكلة لتعود بثوب القوة العظمى، حتى وإن بدت اليوم محطمة تحت رماد الحرب في أوكرانيا. وفي قلب هذه المعركة، تقف أمريكا الآن لتُعلن: لن أسمح لأحد بإعادة تشكيل النظام الدولي... إلا أنا.
ومن هنا، تُفهم شراسة العدوان على غزة. إنه ليس فقط اختبارًا لإرادة الفلسطينيين، بل أيضًا رسالة استراتيجية مشفَّرة إلى كل خصوم الولايات المتحدة: إذا كانت لديكم طموحات لتغيير العالم، فإننا قادرون على تغيير العالم من قبلكم، وبشروطنا. ومع كل صاروخ يسقط، وكل طفل يُقتل، تُبنى خطوة في هذا المشروع، وتُختبر مواقف العواصم، وتُفرز الكيانات، ويُعاد ضبط الاصطفافات.
ما يحدث في غزة اليوم يُدار وكأنه حجر اختزال للصراع الكوني برمّته. فمن جهة، يتم سحق الحلفاء التقليديين لروسيا وإيران في المنطقة: حزب الله ينهار في لبنان، ونظام الأسد سقط بالفعل، والحوثي يلفظ أنفاسه الأخيرة. ومن جهة أخرى، تُنقل المعركة إلى قلب الشرق الأوسط، حيث تتموضع تركيا كقوة مركزية تمتلك مفاتيح آسيا، والبوابة الأوروبية، والتواصل الإسلامي. والملفت أن واشنطن مضطرة أصبحت أكثر استعدادًا من أي وقت مضى لتوسيع دوائر الثقة مع أنقرة، رغم كل تعقيدات العلاقة. إنها تراها شريكًا، قادرًا على موازنة إيران، وضبط التمدد الصيني، واحتواء الارتباك الروسي.
تركيا اليوم تتقبل هذا التقدير الأمريكي بشكل حذر وذكي. فهي تعلم أن المشروع الأمريكي في غزة لن يتوقف عند التهدئة، بل يتجاوز ذلك إلى إعادة هيكلة موازين الشرق الأوسط. ولهذا تسعى أنقرة للعب دور "الوسيط القوي" الذي لا يكتفي بإدارة الأزمات، بل يُساهم في هندسة الحلول وتحديد سقف الصراع. وربما كانت اللقاءات التركية الإسرائيلية الأخيرة بمثابة نافذة اختبار لهذا الدور، ولكن من المبكر الرهان على نجاحها، في ظل الغطرسة الإسرائيلية، والتسارع الأمريكي نحو تصفية المحاور المنهضة بالكامل.
أما إيران، فقد دخلت طور الانكماش الاستراتيجي. خسرت وكلاءها الأساسيين في المنطقة، ولم تعد قادرة على دعمهم ماديًا أو لوجستيًا كما في السابق. انكشاف قدراتها أمام الضربات الأمريكية – سواء في اليمن أو العراق أو سوريا أو لبنان – وضعها في موقع المتفرج العاجز. ومع هذا التراجع، تُصبح غزة فرصة أخيرة للولايات المتحدة لتجريد إيران من أي أوراق تفاوض إقليمية أو رمزية مقاومة قد تحاول اللعب بها لاحقًا.
في المقابل، تبدو روسيا على مسرح الأحداث كأنها تراقب كل شيء ولا تملك أن تغيّر شيئًا. فالغرق في الحرب الأوكرانية، والعزلة الغربية المتزايدة، والاستنزاف الاقتصادي، كلها عوامل جعلت موسكو "جثة جيوسياسية تمشي". حتى إذا أرادت أن تُسجل موقفًا لصالح الفلسطينيين، فإنها تفتقد القدرة الحقيقية على الفعل. وبهذا المعنى، تشكّل غزة اليوم برهانًا على تراجع موسكو وغياب تأثيرها عن واحدة من أهم قضايا الاشتباك الدولي.
ولا يُمكن إغفال العنصر الاقتصادي من هذه المعادلة. فالمعركة في غزة، وما حولها، تؤسس لحقبة جديدة من العقود والتفاهمات الجيو-اقتصادية. وتحديدًا في ما يخص الغاز والطاقة والممرات البحرية. والولايات المتحدة تدرك أن إحكام السيطرة على شرق المتوسط يُعني امتلاك ورقة ضغط استراتيجي على أوروبا والصين معًا. فإخضاع غزة، ومعها حماس، يفتح الطريق أمام تحالفات اقتصادية جديدة تضم مصر، تركيا، إسرائيل، والولايات المتحدة، مما يعيد رسم الخريطة الإقليمية برمتها بما يخدم الاقتصاد العالمي الجديد الذي تريد أمريكا قيادته بمفردها.
لهذا كله، يمكن القول إن ما يجري في غزة ليس مجرد مأساة إنسانية أو صراع سياسي، بل هو حجر الأساس في هندسة عالم ما بعد 2025. الولايات المتحدة، التي أسست النظام الدولي قبل ثمانين عامًا، عادت اليوم لتفككه بنفسها، كي تمنع غيرها من وراثته أو تعديله. وما هذه المجازر إلا الدخان الكثيف الذي يسبق إعادة التكوين.
وهنا تكمن المفارقة العنيفة: فبينما يسقط المدنيون واحدًا تلو الآخر، يجلس الكبار في العالم ليُعيدوا ترتيب اللعبة من جديد. ويبدو أن أمريكا قد اختارت أن تكون غزة هي النقطة التي يبدأ منها كل شيء، وهي النار التي تحرق "القديم" لتولد من رماده هيكلية عالم لا صوت فيه إلا لصاحب القرار الأقوى.
لكن، ما لا تدركه بعض العواصم أن للدم ذاكرة، وأن الشعوب – مهما طُحنت – قادرة على حمل التاريخ على أكتافها، حتى وإن تآمرت عليه الجغرافيا. فغزة التي ظنّوا أنها الحلقة الأضعف، قد تكون بالمعايير العميقة هي المفتاح الأخير لكشف جوهر النظام العالمي: من يصنعه، من يديره، ومن يستحق أن يعيش فيه.
هناك المزيد من التحليلات الاستراتيجية المتعلقة بالنظام العالمي والتحالفات والأمن الدولي على صفحاتنا الإستراتيجية الأخرى
العراق وسوريا… وحدة الجغرافيا وتصدع السياسة
فريق البحث والتحليل
02:04:19 – 19 أبريل 2025
حين نضع الخريطة أمامنا دون ألوان، ونجردها من الحدود المصطنعة، سنجد أن العراق وسوريا ليستا بلدين متجاورين فحسب، بل جسدًا واحدًا تشققه الترسيمات السياسية، ويجمعه دمٌ واحد تفرّقه قرارات القوى الكبرى. وحين نقرأ تاريخ العلاقات بين بغداد ودمشق، فإننا لا نقرأه كما نقرأ علاقات دولٍ حديثة، بل كما نقرأ صراع إراداتٍ على تمثيل "العالم العربي" من ضفتين متوازيتين، تأبيان الالتقاء، وتصران على التوازي حتى في أقسى لحظات الحاجة.
في عمق هذا الملف، تبرز مفارقة فريدة: لماذا لا تُثمر الجغرافيا المشتركة، والوجدان الشعبي الواحد، روابط سياسية مستقرة؟ ولماذا تتقدّم كل فرص اللقاء، لتتراجع في اللحظة التي تسبق التوافق؟ ولماذا يكون البعد الاجتماعي طافحًا بالحب، بينما السياسي غارقٌ بالشك والقطيعة؟
ربما تبدأ الإجابة من التاريخ، حين سقطت الدولة العثمانية، وتقاسمت بريطانيا وفرنسا إرثها بموجب اتفاقية سايكس – بيكو. منذ ذلك الحين، وُلدت دمشق في حضن فرنسي، وبغداد في حضن بريطاني، وكُتب على كلٍ منهما أن يقرأ مفهوم الدولة وفق مرجعيات مختلفة. ثم جاءت محاولات الوحدة العربية لتُسجَّل بوصفها مشاريع تعثرت لا بفعل الخارج وحده، بل بفعل تنازع الزعامة من الداخل.
مع صعود حزب البعث إلى الحكم في كلا البلدين، ظنّ البعض أن التشابه الأيديولوجي سيكون مدخلاً للتكامل، لكن الانقسام تفاقم. فالبعث في سوريا غلب عليه الطابع الأمني الطائفي، والبعث في العراق انحرف باتجاه الصرامة القومية، وسقط في شخصنة السلطة. ومنذ منتصف السبعينيات، أصبح من الطبيعي أن يتواجه الطرفان دبلوماسيًا وإعلاميًا، وأن يتحول كل تقارب محتمل إلى فرصة مهدورة.
ثم جاءت مرحلة ما بعد 2003، لتُخرج العراق من المعادلة القومية وتدخله في الفلك الطائفي الإيراني. وهنا، تتدخل إيران بوصفها فاعلاً رئيسًا في إفساد أي تقارب عراقي سوري لا يخدم مشروعها. دعمت النظام السوري بكل ما تستطيع، واعتبرت بغداد الحديقة الخلفية لضمان مصالحها. وبعد التراجع الروسي في سوريا إثر الحرب الأوكرانية، باتت إيران تحاول التشبث بالعراق أكثر فأكثر، معتبرة إياه البديل الوحيد بعد خسارتها العمق السوري.
لكن طهران ليست وحدها على المسرح. أمريكا بدورها ترى العراق بوابة لتحقيق التوازن مع إيران، وتراقب سوريا بعيون حليفتها إسرائيل. فكل انفتاح بين بغداد ودمشق، لا بد أن يمر من تحت أعين المخابرات الأمريكية التي تُمسك بملفات السياسة والاقتصاد والطاقة في العراق. أما إسرائيل، فتخشى من تقارب يعيد لسوريا نَفَسها السياسي وارتباطها العربي، وهي لا تتوقف عن استهداف العمق السوري، في رسائل متكررة مفادها أن أي مسار مستقل سيُقابل بالنار.
وروسيا؟ انسحبت عسكريًا بصمت، لكنها تحاول البقاء سياسيًا، وإن من موقع أضعف. تدرك موسكو أن موقعها في سوريا بدأ يتآكل، لكنها تراهن على توازن قادم بين القوى، وتُبقي خطوطها مفتوحة مع بغداد على أمل ترميم نفوذها من البوابة العراقية.
الصين لا تزال المراقب الاقتصادي الحذر. تنظر إلى العراق كمصدر للطاقة، وسوريا كممر محتمل لمبادرة الحزام والطريق، لكنها لم تضع قدمها بثبات حتى الآن. هي تنتظر اتضاح الاتجاه، لكنها قد تتدخل في أية لحظة إذا استقرت العلاقات وظهرت مشاريع إعمار حقيقية.
أما أوروبا، فتعيش قلقًا من تداعيات ملف اللاجئين، وانهيار الحدود، وعودة الحركات المتطرفة من جبهة العراق-سوريا. تريد استقرارًا في المنطقة، لكنها لا تملك أدوات التأثير المباشر، وتنتظر ما ستنتجه الدينامية الأمريكية التركية القطرية في إدارة الملف.
اللقاء الأخير في الدوحة، الذي جمع السوداني والشرع برعاية قطرية، لم يكن مجرد خطوة رمزية، بل محاولة لتفكيك هذه العقد المتداخلة، والبحث عن صيغة واقعية تعيد بناء العلاقة دون العودة إلى خطاب الشعارات الفارغة. العراق يريد أن يتحرر من القبضة الإيرانية، وسوريا تريد غطاءً عربيًا يعيدها إلى الخارطة، وقطر تريد أن تكتب لنفسها دورًا استراتيجيًا جديدًا في زمن التحولات.
لكن التحدي ليس فقط في النوايا، بل في البناء المؤسسي للعلاقة. فهل ستُترجم هذه اللقاءات إلى اتفاقيات أمنية واقتصادية؟ هل سيكون هناك تنسيق حدودي دائم؟ هل سيتم فتح المعابر كمقدمة لتكامل اقتصادي؟
كل هذه الأسئلة تقودنا إلى لبّ المعادلة: إذا لم تُبْن العلاقة بين بغداد ودمشق على أسس المصلحة والواقعية والتوازن، فإننا نعيد تدوير الفشل التاريخي مرة أخرى. وإذا لم يتحوّل الود الشعبي إلى إرادة سياسية مستقلة، فإن المصالح الكبرى ستبقى هي من ترسم خرائط العلاقات، لا إرادة الدولتين.
الختمة الفكرية – منصة التحليل الإخباري:
العراق وسوريا ليسا بلدين متجاورين فحسب… بل اختبار مستمر لوعي المنطقة. فمن يعيد هندسة هذه العلاقة اليوم، قد يُعيد رسم الشرق من جديد.
كيف يؤثر حجم التبادل التجاري والاعتماد الاقتصادي على الخارج في رسم السياسة الخارجية للدول؟
منصة التحليل الإخباري - رؤية خاصة
يعد حجم التبادل التجاري ومستوى الاعتماد الاقتصادي على الخارج من العوامل الأساسية التي تلعب دورًا حيويًا في صياغة السياسات الخارجية للدول، وذلك لما لها من تأثيرات مباشرة على استقلالية القرار السياسي وقدرة الدولة على المناورة دوليًا.
أولًا: حجم التبادل التجاري
يُقصد بحجم التبادل التجاري إجمالي قيمة الصادرات والواردات التي تُجريها دولة ما مع الدول الأخرى. وكلما ازداد هذا الحجم، أصبحت الدولة أكثر اندماجًا في الاقتصاد العالمي، وأكثر حاجة للحفاظ على علاقات دولية متوازنة ومستقرة.
أمثلة عملية:
الصين، التي تعتمد بشكل كبير على التصدير لدول العالم، تتخذ سياسات خارجية تراعي الاستقرار الدولي وتجنب النزاعات قدر الإمكان لحماية تجارتها الخارجية.
ألمانيا، أكبر قوة اقتصادية في أوروبا، تعتمد على أسواق الاتحاد الأوروبي بشكل كبير، مما يجعل سياستها الخارجية تركز على دعم الوحدة الأوروبية والاستقرار الاقتصادي للمنطقة.
ثانيًا: الاعتماد الاقتصادي على الخارج
يعبر هذا المفهوم عن مدى اعتماد اقتصاد دولة معينة على استيراد مواد أولية أو منتجات استراتيجية، مثل النفط أو التكنولوجيا، من الخارج. كلما زاد الاعتماد الاقتصادي، قلت القدرة على اتخاذ قرارات مستقلة في السياسة الخارجية.
أمثلة توضيحية:
تعتمد أوروبا بشكل كبير على الطاقة (النفط والغاز) من روسيا والشرق الأوسط، وهذا الاعتماد يؤثر بشكل كبير على سياساتها الخارجية تجاه هذه المناطق.
دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية تعتمد بشكل واسع على استيراد النفط من الخليج العربي، مما يجعلها حريصة على علاقات سياسية ودبلوماسية قوية ومستقرة مع هذه المنطقة.
كيف يؤثر ذلك على السياسة الخارجية؟
تصبح الدولة مضطرة أحيانًا لاتخاذ مواقف دبلوماسية معتدلة أو محايدة في الأزمات لتجنب أي تهديد لاقتصادها.
يؤثر الاعتماد الاقتصادي الكبير على قرارات الدولة الاستراتيجية وقدرتها على المناورة السياسية.
يزيد من حرص الدولة على الانخراط في معاهدات تجارية واقتصادية دولية لضمان تدفق مستمر للسلع والخدمات الأساسية.
وبالتالي، يُصبح الفهم الجيد لحجم التبادل التجاري ومستوى الاعتماد الاقتصادي على الخارج أمرًا ضروريًا لتفسير وتحليل السياسة الخارجية لأي دولة، وفهم مواقفها الاستراتيجية من القضايا الدولية والإقليمية.
الاقتصاد في حسابات السياسة: لماذا يجب التمييز بين حجم الاقتصاد ومستوى النمو؟
منصة التحليل الإخباري - رؤية خاصة
يشكل الفهم الدقيق للمصطلحات الاقتصادية ضرورة قصوى للمحلل السياسي والاستراتيجي، خاصة عندما يتعلق الأمر برسم السياسات الخارجية للدول. ومن أبرز المصطلحات التي تتطلب تمييزًا واضحًا: حجم الاقتصاد الوطني، ومستوى النمو الاقتصادي.
أولًا: حجم الاقتصاد الوطني (GDP)
يشير حجم الاقتصاد الوطني إلى إجمالي الناتج المحلي (GDP)، أي القيمة السوقية الإجمالية لجميع السلع والخدمات المنتجة داخل حدود الدولة خلال سنة واحدة. يعكس هذا الرقم قوة الاقتصاد الوطني، ويؤثر على القوة التفاوضية للدولة في المحافل الدولية.
أمثلة واضحة:
تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية أكبر اقتصاد عالمي بحجم يصل إلى نحو 26 تريليون دولار تقريبًا في عام 2024، مما يمنحها نفوذًا عالميًا كبيرًا.
تليها الصين، صاحبة ثاني أكبر اقتصاد عالمي، بحجم يبلغ حوالي 19 تريليون دولار في 2024، مما يعزز مكانتها كقوة اقتصادية دولية.
ثانيًا: مستوى النمو الاقتصادي (Growth Rate)
يمثل مستوى النمو الاقتصادي النسبة المئوية السنوية لزيادة الناتج المحلي الإجمالي للدولة. ويعكس هذا المعدل حيوية الاقتصاد وقدرته على التوسع والتطور، ويعتبر مؤشرًا أساسيًا لمدى جاذبية البيئة الاقتصادية للاستثمار.
أمثلة توضيحية:
سجلت الصين في العقود الأخيرة مستويات نمو مرتفعة بلغت في بعض الفترات أكثر من 8% سنويًا، مما جعل اقتصادها حيويًا ومتجددًا رغم التباطؤ الأخير.
في المقابل، تحافظ دول مثل ألمانيا واليابان على معدلات نمو منخفضة تتراوح بين 1% و2% سنويًا، رغم أن اقتصاداتهما كبيرة الحجم، مما يعكس استقرارًا لكنه يشير أيضًا إلى تحديات في تحقيق توسع اقتصادي سريع.
لماذا يجب التمييز بينهما في التحليل السياسي؟
إن الخلط بين هذين المصطلحين يؤدي إلى نتائج تحليلية خاطئة؛ فالاقتصاد الكبير قد يفتقد إلى المرونة والتجدد، في حين قد يكون الاقتصاد الأصغر حجماً لكنه سريع النمو أكثر قدرة على التكيف مع الأزمات والمتغيرات العالمية.
وبالتالي، فإن إدراك الفوارق بين حجم الاقتصاد ومستوى النمو يمنح المحلل السياسي أدوات تحليلية أعمق لفهم قدرات الدول ونفوذها الحقيقي، ويؤهله لرسم صورة دقيقة للعلاقات الدولية والصراعات الجيوسياسية.
منصة التحليل الإخباري - رؤية خاصة