رئيس التحرير:
نقرأ لكم ما وراء العناوين، وننتقي بعناية ما يُكتب في مراكز التأثير، وما يطرحه كبار الكتّاب من أفكار ترسم السياسات وتحرّك الرأي العام.
هنا تجدون خلاصة مقالات الرأي والافتتاحيات الأكثر تأثيرًا، كما وردت في الصحف الموثوقة والمعتمدة، مع تقديم مهني يضيء الخلفيات ويكشف المقاصد.
مختارات من الصحافة العربية والعالمية
السبت 5 يوليو/تموز 2025.
🔹 الواشنطن بوست: بريطانيا تعيد علاقاتها بسوريا وتعلن مساعدات بقيمة 94.5 مليون جنيه
أوردت صحيفة الواشنطن بوست الأميركية أن المملكة المتحدة أعلنت رسميًا استئناف علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا، في أول زيارة لوزير خارجية بريطاني إلى دمشق منذ 14 عامًا. وأضافت الصحيفة أن ديفيد لامي التقى الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني، في خطوة جاءت بعد رفع العقوبات الأميركية عن دمشق. وأوضحت الواشنطن بوست أن بريطانيا خصصت حزمة مساعدات إنسانية عاجلة للسوريين بقيمة 94.5 مليون جنيه إسترليني، في إطار ما وصفته الحكومة البريطانية بدعم جهود الاستقرار والشراكة الإقليمية.
🔹 هآرتس: وفد إسرائيلي يتوجه إلى الدوحة لبحث هدنة جديدة في غزة
ذكرت صحيفة هآرتس العبرية أن إسرائيل سترسل وفدًا أمنيًا–سياسيًا إلى العاصمة القطرية الدوحة خلال الأيام المقبلة، ضمن جهود التوصل إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار مع حركة حماس. وأشارت الصحيفة إلى أن الوساطة القطرية–المصرية تحظى بدعم من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أعلن سابقًا أن إسرائيل وافقت على وقف إطلاق نار مشروط لمدة 60 يومًا، وأن الكرة الآن في ملعب حماس. وأضافت هآرتس أن المناقشات ستشمل ملف الأسرى لدى الطرفين، وخطة مساعدات إنسانية عاجلة لغزة، في ظل الكارثة الإنسانية المتفاقمة.
🔹 رويترز: الخطوط القطرية تستأنف رحلاتها إلى سوريا بدءًا من 6 يوليو
نقلت وكالة رويترز عن متحدث باسم الخطوط الجوية القطرية أن الشركة قررت استئناف رحلاتها المنتظمة إلى أربع دول عربية، من بينها سوريا، اعتبارًا من يوم الأحد 6 يوليو/تموز. ووفق الوكالة، يأتي هذا القرار في أعقاب التحسن التدريجي في الأوضاع الإقليمية وتراجع التهديدات الأمنية في أعقاب الانسحاب الإيراني الكامل من سوريا وانتهاء الهجمات الجوية. وأكدت رويترز أن هذا التطور يعكس عودة تدريجية للحركة الجوية إلى سوريا، بعد سنوات من العزلة، وهو ما قد يفتح الباب أمام مزيد من الشركات لإعادة تشغيل رحلاتها إلى المطارات السورية.
🔹 العربية: بن غفير يعارض اتفاق غزة ويدعو لاحتلال كامل القطاع
أوردت قناة العربية أن وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير شن هجومًا لاذعًا على مقترحات التهدئة المرتقبة في غزة، واصفًا أي اتفاق جزئي بأنه "مكافأة للإرهاب". وأفادت بأن بن غفير دعا إلى "احتلال كامل القطاع" ووقف المساعدات الإنسانية مؤكدًا أن هذا هو السبيل الوحيد لإعادة الأسرى وتحقيق ما سماه "النصر" الكامل.
🔹 الخليج: إسرائيل تدرس "تعديلات" حماس وترسل وفدًا للدوحة
أوردت صحيفة الخليج أن إسرائيل تعتزم إرسال وفد أمني وسياسي إلى الدوحة الأحد المقبل لإجراء محادثات حول وقف إطلاق النار، وذلك بعد أن أرسلت حماس ردًا "إيجابيًا" يتضمن تعديلات حول تموضع القوات والمساعدات. وأضافت أن الرئاسة الأميركية تنسق خطوات الاتفاق قبل لقاء ترامب ونتنياهو المزمع في واشنطن.
📰 الصحافة العربية والعالمية | السبت 24 أيار/مايو 2025
مختارات من الصحافة العالمية:
نتنياهو يتهم قادة فرنسا وبريطانيا وكندا بـ"تشجيع" حماس
ذا غارديان | 23 مايو 2025
اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قادة فرنسا وبريطانيا وكندا بـ"تشجيع" حماس من خلال دعوتهم لوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية وتخفيف القيود الإنسانية على غزة. جاءت هذه التصريحات بعد بيان مشترك من القادة الثلاثة يدين الإجراءات الإسرائيلية في غزة ويهدد باتخاذ "إجراءات ملموسة" ما لم تغير إسرائيل مسارها.
إيران والولايات المتحدة تحققان "بعض التقدم" في محادثات روما النووية
أسوشيتد برس | 23 مايو 2025
أفاد الوسيط العماني بدر البوسعيدي أن إيران والولايات المتحدة حققتا "بعض التقدم" في الجولة الخامسة من المحادثات النووية غير المباشرة في روما، مع استمرار الخلافات حول برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني.
رابط المقال
الولايات المتحدة تخفف العقوبات على سوريا لدعم جهود إعادة الإعمار
رويترز | 23 مايو 2025
أصدرت إدارة ترامب ترخيصًا عامًا يخفف من العقوبات المفروضة على سوريا، مما يسمح بإجراء معاملات مع الحكومة السورية المؤقتة بقيادة أحمد الشرع، في خطوة تهدف إلى دعم جهود إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية.
رابط المقال
📰 مختارات من الصحافة العربية:
الرئيس السوري الجديد منفتح على الانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم
نيويورك بوست | 21 مايو 2025
أعرب الرئيس السوري أحمد الشرع عن استعداده للانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بشرط وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا والحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
رابط المقال
ارتفاع أسعار النفط بسبب التوترات بين إسرائيل وإيران
ياهو فاينانس | 22 مايو 2025
ارتفعت أسعار النفط بعد تقارير عن استعدادات إسرائيلية لهجوم محتمل على المنشآت النووية الإيرانية، مما يزيد من المخاوف بشأن استقرار المنطقة وتأثير ذلك على إمدادات النفط العالمية.
رابط المقال
تخفيف العقوبات الأمريكية على سوريا يفتح الباب أمام إعادة الإعمار
أيه بي نيوز | 23 مايو 2025
بدأت الولايات المتحدة في تخفيف العقوبات على سوريا، مما قد يفتح الباب أمام إعادة الإعمار والتعاون الاقتصادي، في خطوة تعتبر تحولًا في السياسة الأمريكية تجاه دمشق.
رابط المقال
الإعلام السياسي: صُنع الوعي في زمن التلاعب بالخطاب
الدكتور: أيمن خالد - رئيس التحرير
الأحد 18 أيار – مايو 2025
أولاً: تعريف الإعلام السياسي وحدوده
يُعرّف الإعلام السياسي بأنه ذلك النوع من الإعلام المتخصص في تناول الشأن العام السياسي، سواء الداخلي أو الخارجي، ويتعامل مع الخطاب السياسي ومضامينه من خلال التغطية، التحليل، التفسير، والنقد. وهو مجال يتقاطع فيه الإعلام بالعلوم السياسية، ويتداخل مع الاقتصاد، القانون، العلاقات الدولية، وحتى علم النفس الاجتماعي.
الإعلام السياسي ليس مجرد وسيط ينقل المعلومة، بل فاعل رئيس في إعادة تشكيل إدراك الجماهير للسلطة، ولصراعها، ولمدى شرعيتها. يشتغل على محورين أساسيين: التفسير والتأطير. أما التفسير فيكشف خلفيات القرار أو الحدث السياسي، وأما التأطير فيعيد تقديم هذا الحدث ضمن زاوية سردية تخدم غاية أو توجّهًا معينًا.
وقد ارتبط صعود الإعلام السياسي الحديث بتحول المجتمعات إلى الديمقراطية، وتقدّم وسائل الاتصال الجماهيري، خاصة في القرن العشرين، حين أصبحت الصحافة والراديو والتلفاز أدوات رئيسية في الحملات الانتخابية، والشرعنة السياسية، وصناعة القبول الجماهيري للقرارات الكبرى.
ثانيًا: أهمية الإعلام السياسي في تشكيل الرأي العام
تنبع أهمية الإعلام السياسي من كونه الواجهة التي يرى من خلالها المواطن السياسة والسياسيين، والنافذة التي يتلقى منها تفسيرًا لأحداث كبرى مثل الحروب، الانتخابات، الأزمات الاقتصادية، الاتفاقات الدولية، والتحالفات.
1. تشكيل الرأي العام:
من أبرز أدوار الإعلام السياسي أنه يخلق "أجندة سياسية" للجمهور، أي يحدد له ما يجب أن يركز عليه، وما هي الأولويات التي يتفاعل معها. يعرف هذا التأثير في نظرية الاتصال السياسي باسم "نظرية ترتيب الأولويات" (Agenda Setting) التي وضع أسسها ماكسويل مكومبس ودونالد شو في أوائل السبعينيات، وأثبتا من خلالها أن الإعلام لا يخبر الناس بما يفكرون فيه، بل عمّا يجب أن يفكروا فيه.
2. التأثير في مخرجات القرار:
حينما يصبح الإعلام السياسي مؤثرًا بما فيه الكفاية، فإنه لا يكتفي بعكس الواقع السياسي، بل يضغط لتغييره. شهدنا هذا في تجربة قناة الجزيرة خلال تغطيتها للثورات العربية (2011)، إذ ساهم الخط التحريري للقناة في بلورة رأي عام عربي ناقم على الأنظمة الحاكمة، ومتعاطف مع المطالب الشعبية، مما جعل من الإعلام طرفًا محوريًا في مشهد سياسي متغير.
3. مراقبة السلطة:
تلعب المؤسسات الإعلامية السياسية دور "السلطة الرابعة"، كما وصفها المفكر الإنجليزي إدموند بيرك. فهي تراقب أداء الحكومات، وتكشف الفساد، وتخاطب الرأي العام بمسؤولية، وقد تقود إلى فضائح كبرى مثل فضيحة "ووترغيت" (1972) التي فجّرها صحفيان من واشنطن بوست، وأسقطت في النهاية الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون.
ثالثًا: خصائص الإعلام السياسي واشتباكه مع السلطة
1. التفسير والتحليل لا النقل فقط:
الصحفي السياسي لا يكتفي بنقل المؤتمر الصحفي أو نشر تصريح، بل يغوص في خلفيات التصريحات، ويقارنها بسوابقها، ويقرأ ما وراء الكلمات. لذا، فالممارسة السياسية الصحفية تتطلب ثقافة موسوعية.
2. الحساسية المفرطة مع السلطة:
الإعلام السياسي هو الأكثر تعرّضًا للرقابة، بل وللقمع أحيانًا. فالأنظمة السلطوية تعتبر الإعلام السياسي تهديدًا وجوديًا. من هنا، تنشأ معارك كبرى بين الصحافة السياسية الحرة والدولة، كما حدث في تجربة الصحف اللبنانية المعارضة خلال سنوات الاحتلال السوري، أو ما عايشه الصحفيون المصريون بعد 2013.
3. التشابك مع أدوات الدعاية:
في النظم غير الديمقراطية، يتماهى الإعلام السياسي مع البروباغندا الرسمية، فيتحول إلى واجهة تجميلية للسلطة. وهنا، تغيب وظائف النقد، ويُستبدل بالتصفيق، كما كان الحال في إعلام صدام حسين أو القذافي أو إعلام بشار الأسد سنوات ما قبل سقوط النظام.
4. الطابع التفاعلي الحديث:
اليوم، مع صعود الإعلام الرقمي، تغيرت طبيعة الإعلام السياسي، إذ أصبح متداخلاً مع وسائل التواصل الاجتماعي، وتحول السياسي نفسه إلى ناقل للخطاب عبر حساباته. وهذا يخلق حالة من التفاعل المباشر، ولكن أيضًا من التضليل الفوري، كما نرى في استخدام الذباب الإلكتروني.
رابعًا: نماذج وشواهد تطبيقية عبر التاريخ
1. الجزيرة والربيع العربي:
ربما لم يشهد التاريخ الحديث قناة إعلامية أثّرت في مسار الأحداث كما فعلت الجزيرة إبان ثورات 2011. فقد شكّلت محرّكًا تعبويًا في الشارع العربي، ومصدراً موثوقًا للثوار، ومنصة لتعرية الأنظمة. حتى أن الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي خاطب شعبه في إحدى خطاباته الشهيرة بالقول: "فهمتكم"، بعد حملة إعلامية مركزة على الفساد والقمع.
2. واشنطن بوست وفضيحة ووترغيت:
نموذج كلاسيكي للإعلام السياسي الاستقصائي. بدأ الأمر بتغطية لاقتحام مقر الحزب الديمقراطي، وانتهى بكشف شبكة تجسس يقودها مقربون من الرئيس، مما اضطر نيكسون للاستقالة في سابقة لم تتكرر في السياسة الأميركية.
3. قناة فوكس نيوز وانتخابات 2020:
مثال على كيف يمكن للإعلام السياسي أن يصطفّ مع طرف سياسي، بل يشارك في صياغة خطاباته، كما فعلت فوكس مع دونالد ترامب. القناة لم تكن تغطي الانتخابات فقط، بل كانت تشارك في التعبئة السياسية، بما في ذلك التشكيك في نتائج الانتخابات.
4. قناة روسيا اليوم (RT):
منصة إعلامية تحمل أجندة سياسية روسية، تعمل على تقديم رواية مغايرة للرواية الغربية، خصوصًا في النزاعات مثل أوكرانيا وسوريا. هذا النوع من الإعلام السياسي يُعرّف أحيانًا بـ"الإعلام الاستراتيجي" الذي يخدم سياسات الدولة الراعية.
خلاصة ختامية: الإعلام السياسي.. بين الرسالة والمخاطرة
الإعلام السياسي ليس مهنة روتينية، بل ساحة معركة ناعمة، تُخاض فيها معارك النفوذ، وتُصنع فيها سرديات الأمم. وهو في الآن ذاته سيف ذو حدين: فإما أن يكون أداة تنوير، أو يتحول إلى آلة تضليل تخدم مصالح فئة على حساب الحقيقة.
في بيئات الحرية، يُزهر الإعلام السياسي، ويزدهر معه الوعي العام. أما في البيئات القمعية، فهو أول ما يُقصَف وأول ما يُدجَّن. بين هذه وتلك، يقف الصحفي السياسي كحامل شعلة، يحتاج إلى الجرأة، والعلم، والحكمة، وإيمان عميق بأن الكلمة أحيانًا أقوى من المدفع، وأبقى من كرسي الحكم.
ومن هنا، فإن صناعة إعلام سياسي مسؤول، وناقد، ومستقل، ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة لحماية الديمقراطية، وتعزيز الشفافية، وصيانة الوعي العام من الانحدار في مستنقع التجهيل والخداع.
الإعلام الدولي: بين صناعة السرد العالمي وتشكيل المشهد الجيوسياسي
الدكتور: أيمن خالد - رئيس التحرير
الأحد 18 أيار – مايو 2025
✒️ تمهيد:
لم يعد الإعلام مجرد وسيط ناقل للمعلومات عبر الحدود، بل غدا فاعلًا رئيسيًا في تشكيل النظام الدولي الجديد، يمارس دورًا مشابهًا لدور الدبلوماسيات والمؤسسات الاستراتيجية. في عالم شديد الارتباط، يتجاوز فيه الخبر الجغرافيا، بات "الإعلام الدولي" أحد أبرز أدوات النفوذ الناعم، يُسهم في إعادة تعريف الحقيقة، ويُمهّد أو يُعرقل تدخلًا عسكريًا، وقد يصنع صديقًا أو عدوًا فقط بـ"صياغة العنوان".
أولا: ما هو الإعلام الدولي؟: المفهوم والوظيفة
يُقصد بالإعلام الدولي ذلك النمط من النشاط الإعلامي الذي يتعامل مع القضايا العابرة للحدود الوطنية، ويُخاطب جمهورًا عالميًا بلغات وثقافات متعددة، ويتصل بالمصالح الاستراتيجية للدول الفاعلة.
وهو لا يُحدّد بهوية موقعه الجغرافي، بل بطبيعة معالجاته ورؤيته للعالم، وبمدى تأثيره في فهم الجمهور الدولي للوقائع.
يختلف الإعلام الدولي عن الإعلام المحلي والإقليمي من حيث:
جمهوره: واسع ومتنوع ثقافيًا.
خطابه: غالبًا مؤطر برؤية استراتيجية أو دبلوماسية.
أهدافه: التأثير في السياسات الدولية وصورة الدول.
أدواته: استخدام اللغات الأجنبية، التغطيات الميدانية العابرة، التحليل الجيوسياسي.
🔹 مثلًا: شبكة BBC البريطانية تُعد واحدة من أعرق المؤسسات الإعلامية الدولية، ليس فقط لنطاق انتشارها، بل لامتلاكها أجندةً دولية تسعى لترسيخ وجهة نظر الغرب تجاه العالم.
ثانيا: الوظيفة السياسية للإعلام الدولي: القوة الناعمة في أبهى صورها
أصبح الإعلام الدولي جزءًا من أدوات السياسة الخارجية للدول، يمهّد الطريق للقرارات الكبرى، ويشرعن الحروب أو يدينها، ويُعيد صياغة صورة "العدو" أو "الصديق".
من أبرز وظائفه:
أ. تأطير الصراع (Conflict Framing)
الإعلام الدولي لا يكتفي بنقل الوقائع، بل يختار كيف يرويها، ومن أي زاوية.
خلال الحرب على العراق 2003، استخدمت وسائل إعلام دولية (خاصة Fox News وCNN) مصطلحات مثل "تحرير العراق" و"نزع أسلحة الدمار الشامل"، في حين استخدم الإعلام المعارض مصطلح "غزو غير شرعي"، ما شكّل إدراكًا مختلفًا لدى الشعوب.
ب. إعادة إنتاج صورة الدول
بعد أحداث 11 سبتمبر، تم تأطير العالم الإسلامي إعلاميًا بوصفه بؤرة "تهديد أمني"، وشاع استخدام مصطلحات مثل "محور الشر" و"الدول الراعية للإرهاب"، ما مهد لتغييرات حادة في السياسات الأميركية والغربية.
في المقابل، استخدمت روسيا عبر وسائل إعلامها الدولية مثل RT خطابًا مضادًا لتصوير الناتو كطرف توسعي، وخاصة أثناء غزو أوكرانيا.
ج. توجيه الرأي العام العالمي
مثال بالغ الوضوح: تغطية قناة الجزيرة الإنجليزية للعدوان الإسرائيلي على غزة، حيث كسرت الرواية الغربية السائدة، وقدّمت صوتًا بديلًا للضحايا، ما أدى إلى ضغط حقوقي وشعبي غربي لم يكن ليظهر لولا هذا التأطير الإعلامي.
ثالثا: التحوّلات الكبرى في الإعلام الدولي: من الهيمنة إلى التعددية
كان الإعلام الدولي لعقود طويلة مُحتكرًا من قِبل مؤسسات غربية كبرى (BBC، CNN، France 24)، لكنه منذ العقدين الأخيرين شهد تحولات كبرى:
صعود الإعلام الدولي غير الغربي
إطلاق قناة CGTN الصينية وRT الروسية وTRT World التركية كمشاريع إعلامية دولية تهدف لتحدي الرواية الغربية الأحادية.
أصبحت هذه القنوات تُنتج محتوىً سياسيًا عالي الجودة، وتستضيف مفكرين غربيين، وتطرح أسئلة لم يكن يُسمح بطرحها في إعلام واشنطن أو لندن.
دور الإعلام البديل ومنصات التواصل
صعود الإعلام الرقمي المستقل (مثل Mediapart في فرنسا وDemocracy Now! في أميركا) زعزع هيمنة الإعلام التقليدي الدولي.
تحوّلت بعض الحسابات الفردية المؤثرة (صحفيين أو محللين مستقلين) إلى منصّات دولية مصغّرة ذات تأثير عالمي.
رابعا: الإعلام الدولي في زمن الحروب: صناعة الوعي أم تعليب الحقيقة؟
من أبرز اختبارات الإعلام الدولي هي تغطيته للحروب والنزاعات، إذ تُختبر فيه استقلاليته، أو انحيازه السياسي.
في الحرب يصبح الإعلام أحد أدوات الاشتباك، وقد يتورط في التضليل أو التحريض.
أمثلة ووقائع:
◾ حرب أوكرانيا (2022–2025):
ركّز الإعلام الغربي على رواية "الدفاع عن الديمقراطية"، بينما الإعلام الروسي وصفها بـ"عملية تحرير دونباس".
أما الإعلام التركي عبر TRT World فقدّم زاوية مركبة: انتقاد روسيا بوصفها معتدية، لكن أيضًا تسليط الضوء على توسع الناتو كخطر هيكلي.
◾ العدوان على غزة:
لعب الإعلام الدولي دورًا حاسمًا في فضح المجازر، حيث كانت صور الناجين من الخيام ونداءات الأطباء تُقلب الرأي العام الأوروبي والأميركي، وتدفع المنظمات الدولية للرد.
شبكة الجزيرة الإنجليزية وSky News البريطانية (رغم توجهاتها المحافظة) بثّت مشاهد لا تستطيع الحكومات الغربية إخفاءها، ما أدى إلى احتجاجات ومواقف برلمانية أوروبية.
خاتمة: هل الإعلام الدولي فاعل نزيه أم جندي في معركة الدول؟
ليس من الحكمة اختزال الإعلام الدولي في ثنائية "الحق والباطل".
بل علينا أن نعي أنّ هذا الإعلام، حتى في أكثر نسخه احترافًا، محكوم بأجندة الدولة المالكة أو المُموِّلة أو الرؤية الاستراتيجية التي تُوجّهه.
لكنه، مع ذلك، مساحة للاشتباك، ولإعادة طرح الرواية، ولتحدي هيمنة السرد الغربي الواحد.
في ظل عالم متعدد الأقطاب، لا يعود الإعلام الدولي مجرد ناقل، بل أداة لصياغة إدراكنا لما يحدث في العالم.
والمتلقّي الواعي، هو من يدرك أن ما يسمعه ليس "ما جرى"، بل "كيف اختاروا أن يروه له".